الأديب التونسي طاهر الذوادي يقدم قراءة أدبية لقصائد الشاعرة حكيمة بنقاسم


 في قراءة متواضعة لقصائد الشاعرة المغربية المميزة حكيمة بن قاسم ذات التفرد في قنص الأحاسيس و المشاعر في تصاعدها و انسيابها و سباحتها و غرقها على غصون الليل و لواعج الروح و الخيال 

شاعرة لا تنطفىء الا لتوقد فيك شعلة الهيام و التيتم و الانصهار في تلويحاتها الملائكية الصافية  

شاعرة مختلفة تكثف الصهيل و الجموح لتتركك خلف الصدى نعتا  و صفة تطعنك الأسئلة و تنكزك الأحلام فلا مفرّ منها أبدا 

 امرأةٌ لا تنتهي و لا تبدأ أبدا

وأنا بالمُنتصفِ أتوسَّلُ الطعنات

امرأةٌ تقفُ بين الدهشةِ والسؤال

تثقبُ الغوايةَ من طرفيها

تعجُّ غرفتُها بأحاديث الكريستال والمطرِ بثرثرةِ العطرِ والعناقِ

تلوِّحُ بذراعٍ للخيال و بالآخر تذخرُ الآهات لتصيدَ اللهفةَ

تحفرُ بأظافر الغرقِ فيطفو البحرُ لا تُجفِّفُ عُري الليلِ عن أناملِها

ولا تبلَّلُ الظمأَ على جُدرانِ الماءِ

تُلقِّنُ كفيَّ التشرُّدَ على خصرِ الأساطير و تُردي النجاةَ كُلّما أقبلت بلا صيدٍ

تُفكِّكُ أحلامي الموقوتةَ منذ البدايةِ إلى ظُلمةِ المتاهة

تحمُل بين شفتيها قبلات ناسفةً

كيف الجنون فى اِتساع منابعِها !

وبما أتَّقي بُشرى المساءاتِ وأنا أبتسمُ للموتِ ؟

لن يفلحَ التيهُ مع امرأةٍ تقضمُ العشقَ من جانبيه

وتمنحُ الغيابَ تذاكرَ السفرِ

تَلفُّ الغرامَ حول معصميها فتتهافت الحكايا لتنتحرَ على أعتابِ بريقِها

تُرتِّبُ للغزلِ قطعَ حلوى و لا تمنحُ المللَ سرَّ الوعودِ 

فيرحل الراحل غير سعيد يتملكه الأسى


الشاعرية حالة تسبق الفكرة، تسبق الغاية، وتسبق الكلام والصورة· الشاعرية تأتي دون قرار مسبق، تأتي محملة بكلماتها بفكرتها وبصورتها·الشاعرية لا تكمن في الوضوح، بل تخطف الشاعر من حال يكون عليه، إلى حال يصير إليه· هي برق يضيء كوامن الشاعر ويمضي تاركاً في اللغة وهجه وفي الصورة جنوح الخيال وفي المعنى تعدد ينغلق فلا يدركه السبر ولا التعريف المحدد، بل يشكل فضاء شاسعاً للتأويل· والشاعرية بهذا المعنى تأتي كزائر أو طيف عابث يضيء الشاعر ثم يغادره تاركاً فوضاه نقشاً على الورق 

تجعل‭ ‬القارئ‭ ‬يسبح‭ ‬في‭ ‬فضاءاتها‭ ‬مزهواً‭ ‬بدهشتها‭ ‬الإسنادية،‬وبكارة‭ ‬ما‭ ‬تبثه‭ ‬من‭ ‬دلالات‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الفني‭ ‬والجمالي‭. ‬

ولا أجد هنا أجمل من قول “كارل ساندبرج”: “الشعر يوميات يكتبها كائن بحري يعيش على البر حالماً بالطيران.”

وأرى هنا شاعرتنا المغربية حكيمة بنقاسم جاوزت ذلك أيضاً،فهي شاعرة،وأم،وعاشقة،ومبدعة،تعيش بين ضلوع وحنايا القلب،تكتب بريشة الحب سفر الإنسانية الخالد لكتاب الشعرية الأبديّ الممتد بين سماوات الكون،وسهول الأرض الممتدة بالاخضرار والحب والشعر أيضاً.

شاعرة مترعة بجلال الكلمة،نبل السؤال وجمال الحيرة،لذا فلا غرور أن تتحول السيرة الشعرية لعاشقة الشعر إلى هيام وولع،بل صلاة للشاعرة المتصوفة في رحاب حضرة الشعر المقدس،والجميل،والذي يمثل لديها كل شيء،وقبل أي شيء،وبعد أي شيء.إنه الشعر ولا شيء سواه

فنراها تحلّق حوله،وتطوف معه،وتسافر عبر الغيوم الماطرة،لتعرج إلى معارج الكون،عبر سماوات الخيال والواقع،وعبر مركبة الشعر الوحيدة التي صنعتها بمهارة واقتدار وبريق خلاب لا تخطئ العين نوره وإشعاعه

اخترت لكم اربعة قصائد من بوحها العنيف

لأترك القارئ يتهجى لغة القلوب و أساطير العشق و سفريات الجمال في قصائدها المترعة بالدلال و الرقص .

دعني ..

أرقص على خفق الهواء 

اختم هتاف الريح بأهزوجة المطر

أتصبب عشقا 

دعني اغير لون سطوري 

اخلع الاسود 

اشق اغصان الحب 

اولد 

ألهب لهفة الماء  

يا مشعل البركان في دمي

اغرق في بحر الشوق 

اقود مركب اللظى 

تعال 

أنثر عطرك باضلعي 

وتامل حركات نبضي

قلبي يتصرف كالمجنون 

رائحة الحب تفقده الصواب 

ها انا اتبع ظلك 

واجيال الصمت شابت بذاكرتي 

مظلم عالمي دون عينيك

مضن جوع قلبي 

احتاج رضاب حبك 

لأرتوي من عطش الغياب

كلما استعرت بدمي اطيافك

ايها المدى المسكون 

بنار الوجع 

متى تخلي سبيل قلبي

ونعود كما كنا

احباب 

 حكيمة بن قاسم


وقعت في حبك ..

اغراني عطر الجداول المفتوحة

على أنهار قلبك 

غيمة تحلق مع سحائب الماء 

حين قبلتني 

أشعلت في جسدي أضواء قوس قزح

ونسجت نبضي حديقة

 جعلتني عاشقة ..

حين يوشوش الموج للبحر

أتلاطم على ضفافه

أصطاد لقاء من شفاه ريح

 تسكب خمور همسك

 وقعت في حبك يوم

دفعتني للإيمان ان كل الرجال انت

أسرفت في وصفك بكل الحروف 

جعلتها لك مراكبي في بحر اللغة 

أنغمس في السطور لأجدك تتصدر 

تاريخ الجسد 

وجغرافيا الروح 

أتسلق على أوتار النص

تنهمر في بحرك الطويل 

أنفاس شوقي

في عالمي تصب محيطات الرجال

وافضل بحرك الميت

صرت أزفر الملح 

حين يزف الهجر احلامي 

إلى مذبحة الوريد

صرت أداعب الحرف الاول من إسمك

وألقي بين ذراعيه نفسي

كبر الغياب ياحبيبي

صار معي جنبا إلى جنب

طفلي المدلل

أختار له قميصا بدون ازرار 

رأسه كنيسة الحب 

وعيناه ضوء خيال 

يرافق قلبي المتيم بك 

هذا النبض المجنون ينشر حبك

في كل مكان

يرتق الليل بأمطار الذكريات 

تنبث في قلبي براعم الحنين

المثقل بسحائب صمتك

كيف تعطش سطوري 

في حضرة الماء

وتحلق أسراب حرفي في حقولك بلا زاد

وهي جائعة

حكيمة بن قاسم


خيوط الشمس لم تزل شاحبة 

بالكاد تشهق على صفحة الماء

أمشي إليك

كلما سكب الحب في رئتي

قطرات من شهد لقائك

ألمس وجهك الذي خبأت فيه ملامحي

وزفرات قلبي البارحة 

شوق يطل من نوافذ الليل 

احرق في جدائله كل حروف النداء

أكاد أصدق يا حبيبي أني أتيت من أعماقك 

خلقت من ضلعك الأيسر 

اربط جوعي إليك بحبل المشيمة 

وأرعى قطيع الرغبات 

في قصيدتي الجديدة 

ولأنك البحر

أنا الغريقة في أمواجك

آكل من دود الهجر 

وربما انتهي سمكة جائعة 

هل تعلم كيف يسبح هواك في دمي؟

كيف يسقط صوتك مثل البرد في جسدي 

رنين يفجر عيون الشعر

مثل وحي الأنبياء 

يعصف صمتك بعمري المعذب

يفتح كوة في جسدي

لتعبرني بحورك الهائجة 

يا حبا عانى من اليتم 

لا غيمة تسقي لهفتي بعد الآن

لا ضوء يتسع لخيالي المنهك

حرفي سيشربه الحزن

يا جمرة قلبي التي لا تنطفئ

مشبع قلبي بالشوق إليك 

عيناك الموغلتان في جسدي 

تحدث حرب الرغبة

أفلت نفسي في يدك 

وأحاول أن أطير بلا روح

لأعانق السماء

حكيمة بنقاسم


رؤياك

دفء الضلوع الباردة 

في شتاء الحنين

يا كل قصائد الهوى 

التي خدشت صمت الوتين

يا دمي المهدور على الورق.

مالي أراك تعشق احتراق دمي 

تشعل بالقلب جمرا


تغرز مسامير الحب في أضلعي

تضخ دماء الحزن 

تمشي بقلبي

تطوف بين الشرايين 


تحج عيناك في روحي

تؤدي عمرة الشوق


يا راحلا 

والأماكن عنك تسألني 

قلمي سيف منهزم

في حروب هواك

أردته عيونك قتيلا

أرى جثث القصائد في مرايا الروح

أشيع جنازاتها على دفاتري

أغمض عين الحروف كي لا تراني

أسير على ردهات السطور

ارنو إلى ذاك الذي ما عاد يذكرني

أناجي مذ هجرني أطياف الراحلين 

ذاك الذي بسهم عينيه قتلني

أغرقني في عطر حضنه

جرى سكرا في دمي 

أثمل الروح وغاب

حكيمة بنقاسم

- مع أرق و انبل تحياتي لقرّائنا الأعزاء - طاهر الذوادي -

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

يا عازف العود… .. الشاعر والمبدع علي جابر الكريطي

يا ساقي الورد لطفا بقلم الشاعر هشام كريديح

انتي وتيني // بقلم الشاعر عبد السلام حلوم