الغربان تستغيث للشاعر طاهر الذوادي

- الغربان تستغيث -

ذاك المساء القصير
غادر مسرعا مغازل الصحو
غاب مستعجلا أحضان الثلج المدقوقة في أغطية الصوف و في محاجر الحشو المؤدي للفراغ و نتوءات التصحّر
و علی أمل العودة ، تركنا نحمل الانتظار  
تركنا نغسل المدّ كلما هاج الخريف علی حواف الصهيل المسرج بالذاكرة
ما أكثر الشفاه التي عددت الأسماء القتيلة
في الشغف الأخير للمسافة
ما أكثر جرائم الوأد سيدتي في الليل المعطل بالحضور
في الليل المزمجر ، المكفهر ... الغارق في كٶوس الخواء و روائح الصمت البارد  
يمضي كما تمضي العاصفة مرفوقة بالتأوّه 
لتشدنا صلابة المرايا لروضة المنافي
المنافي المعفية من النسيان و الضياء  
ذاك هو السبيل الوحيد للموت بسلاسة العقارب  
و الحفاة المارين نحو الأفق لن ترحمهم غزارة الملح و لا البلل الأجوف و لا أغصان التوت التي تلوّح عارية في سكينة 
و لا عكاز الليل علی البحيرة الزرقاء حيث تنام النسوة راكدة بلا مبالاة النوافذ و شقوق القلوب و عمق الآبار 
الغربان تستغيث أجسادنا الماضية ، تبكي أنفسنا الضائعة في قعر المصائد  
تقيم حدادا لنفوق السماء الغاصة بالندوب 
و الجدران الواقفة في وجه الرياح ذوّبت شموعها القليلة لتحصي ذاكرة المساء و هزائم الحرب و صوت سقوط البيادق من يد الصّحو 
الغربان تستغيث أصواتنا الملفوفة بفصاحة الصمت
الصمت الكاره للعتبات التي لا تميّز بين الغطاء و الكفن و بين الفأس و الجذع و بين الحصاد المذرو في الغبار و البخار المتصاعد من قدور السكينة  
الغربان تستغيث أشباح المرايا و ظمأ الشراشف النائحة في سرّ الزوايا  
الزوايا الحبلی بالصدوع ، المهددة بالانفجار وراء كل خديعة لحجبها بالنسيان و إماطة اللثام علی شراهتها و إيناعها بانقضاء صبرنا
لم تبق الا فرص الزهيمر و باب الجنون كما جاء علی لسان آخر رسل المرايا حتی تعيد الاسطوانة عافيتها الصوتية  
حينها سوف نكحّل عين الفضاء بنشاز الناي و ذبحة الكمنجات و صراخ المبتهلين و دعوة المكلوم و غبطة المودّعين ليس إلا  

      - طاهر الذوادي -

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

يا عازف العود… .. الشاعر والمبدع علي جابر الكريطي

يا ساقي الورد لطفا بقلم الشاعر هشام كريديح

انتي وتيني // بقلم الشاعر عبد السلام حلوم