لَمْ يكن يَدُر في خُلْدِي في يوم من الأيام…/بقلم خالد صابر
أن كوني كله سيندثر و يتغير ، و إلى الأبد عصر ذلك اليوم ، و في تلك اللحظة العابرة جدًا ، في ذلك اليوم العادي جدًا
ومن أين لي أن أعرف يا حبيبتي…
و من أين لأيٍ منَّا أن يعرف…
و كيف لأيٍ منَّا أن يكشف …
ما تحيكه لنا يد الأقدار لنرتديه قسرا بعد حين، و أن يكتشف أي درب تخطه لنا ريشة الأقدار فوق مِشْكآلِ نبضات قلبنا الصغير ، لنسلكه و نعبره رغما عنا إن بعد لحظات أو بعد العديد من السنين …إلا بعد فوات الأوان و انطفاء الزمان ، و رماد المكان…
لا الأقدار تخبرنا أو تُخَيِّرُنا…
و لا المنجمون يصدقوننا أو يُجِيرُونَنا…
ولا النجوم تقدر أو تريد أن تفشي لنا ما يحاك و يرسم لخطواتنا العرجاء ، و يعزف لنبضات قلبنا العمياء في لآنهايات الغموض…
…تكون في طريقك الذي سلكْتَهُ بثبات و أمان كل يوم طوال السنين المنطوية ، لا تلوي على شيء، مطمئنا بين خطواتك الربيبة و نبضات قلبك الرتيبة التي لا تكاد تشعر بها من كثرة التعود على الإبحار بدون ريحٍ أو نجم شمالي ، بدون بداية كالفجر العذب المشعشع ، بدون وصول كالغروب الهادئ اليانع ، بدون طريق يقودك منك إليك …
تعودتَ على السبح في يَمِّ الحياة بدون شاطىءٍ أو خليج ، بدون وهج أو أريج…حياة شبه ميتة أو ميتة تكآدُ تكون…
وَ…
فَجْأةً…
هَذِهِ ال-فَجْأةً…
زمنُُ لآ يبدأ و لآ ينتهي…
لا يموت و لا يتجدد
كونُُ في كل الإتجاهات و الأبعاد يتمدد ،
حتى تخاله لا يكاد يتنفس أو يوجد…
هَذِهِ ال-فَجْأةً…
ذرة من غبار مشاتل النجوم تحط بين عينيك،
همسة حفيفة ، رهيفة، من لغة الخلق الأول
حرف شارد من حروف الأبجدية العذراء،
وَ جُزَيئَةُُ جريئةُُ ، لزجة ، من سِحْرِ إلانشطار الأعظم…
شَدَّت الرحال مع موجات صدى لحظة الدهور ،
لا تبحث عنك، بل تقصدك كل القصد، إنها تعرفك كل العرف
هي أنتَ لحظة نُطِقْتَ ، هي أنتَ قبل أن تكون أَنْت…
، لتكون، الآن، أخيرًا…أنت
لحظةُُ نورانية تَجُبُّ دهور عتمتك…
قطرة وجودٍ مِن غيمة الأزل أمطرت على جدب خلجاتك و رست عند ناصية خليجك…
فاهتزت و ربت دواخل و مجاهل مكنوناتك
فأنبتت شتلة الإحساس و الشعور
و أشعلت شرارة التوهج و النور…
فَجْأةً…
مِنْ رَحِمِ الغُمُوضِ
أَلْفَيْتَ نَفْسَكَ
تَسْبَحُ فِي يَمِّ هَذا الوُجُود
فَجْأةً…
شآرِدُ ُ أنْتَ
تَرْنُو الخُلُود
فَجْأةً…
سَتُوَدِّعُ هَذا الوُجُود
إلىَ…
رَحِمِ الغُمُوض
تُمْسِي وَ تَعُود…
ملحومُُ من الفجأةِ أنت…
ممهورُُ بِالفجأةِ أنت…
محكومُُ، ملغومُُ بِالفجأةِ أنت…
يجيء أحدهم فجأةً…
لآ ينوي و لآ يلوي على شيء هو الآخر
يسرق قلبك دون أن يدرك أو يشعر ، و في نفس الوقت و اللحظة و دون أن تنوي أو تشعر ، تكون قد سرقت قلبه منهُ أيضًا…
حتى السحر يعصى عليه الإتيان بهكذا إعجاز و معجزة،. فالحب في بداية و نهاية الأمر معجزة…
يجيء أحدهم فَجْأةً…
فيتشظى قلبك و ينفطر
، ينبض، يتوهج ، و لِأول مرة تخاله ينفجر
، إنه ينبض و يعزف لإثنين ، يسقي و يزْهِر روحين…
يحلق في كونين هما الوجود كله ، يرفرف في بعدين هما الخلود نفسه
يجيء أحدهم فجأةً…
تحيا حيوات بلا عددٍ في لحظة خاطفة خارقة،
تسافر على جناح نظرة في عوالم عينيه السحيقة مستعذبا رحيق الغموض ، الساطع ، الهائل في تلك اللحظة،
و ما أن تقفل راجعًا بعدها حتى تكون قد ثملت إلى الأبد من عذب و رضب تلك اللحظة-القدر، اللحظة ال-فَجْأةً…
لا حياة قبل الحب ، و لا بعد الحب حياة…
تعالي يا حبيبتي …
تعالي نستنشق المستحيل
تعالي نعانق غيمة الأزل و نقطف قطرة ندى الفجأة…
فقط أغمضي عينيك …
و سأقول " أُحِبُّكِ" بكل جراحي و جوارحي ، كما قالتها سماوات عينيك " أُحِبُّكَ" عصر ذلك اليوم
فإذا احمرت وجنتاك كورود نيسان، فلن أرحل مع أي خريف و إن ذبلت كل أغصانك ، و إن تساقطت كل أوراقك
…وَ إن لم تحمر وجنتاك
فحين تفتحين سماوات عينيك حبيبتي
لن أستحيل هناك …
، لم أكن يوما هناك…
خالد صابر
دبلن، ٦ أكتوبر ٢٠٢١
تعليقات
إرسال تعليق