الشاعر قيس هادي كريم الشريف // أمي


 أمي ..


في ليلة شتائية باردة ممطرة

صحوت أنا وأخي الذي يكبرني بسنتين على صراخ أبي وهو يضرب أمي ويعنفها بطريقة وحشية ويهينها بأبشع الكلمات وأقساها .

لم نكن نعرف ما نفعل إلا البكاء فهو المتنفس الوحيد لنا ولا شيء نستطيع فعله لها .

تَطلقت أمي لنصبح أيتاماً بعدما رحلت لجهة لا نعلمها مع أجبار والدي على عدم البحث عنها أو تلقي أي شيء حتى لو كان سلاماً منها .

كانت الأيام كفيلة بأن تغيب صورتها عن ذهني لخوفي من أبي من جهة وللمعاملة القاسية التي ننالها من زوجة أبي السيئة معنا من جهة أخرى .

لطالما بتُ ليلتي وأنا أتلوى من الجوع ومعدتي خاوية إلا من رحمة الله ولا أستطيع أن أقول أني جائع لأنني فعلتها مرة وقلت له :

- أبي أني جائع .

فزجرتني وإشتاظت غضباً ووبختني وأدعت بأني أقوم برمي طعامي للقطط التي أحسدها على ما تأكل وأذا بأبي يشبعني حينها ليس طعاماً بل ضرباً قاسياً حينها أجد نفسي مرمياً على فراشي ومخدتي غارقة بدموع عيني .

أخي كان يغيب عن المنزل ليلة أو ليلتين لم يأبه لما ينتظره من أبي ضرب وتعنيف وأهانة بل كان يسجنه ويمنع عنه الماء والأكل عقوبة على تصرفاته .

كان يمثل دور المغمى عليه حتى لا يعترف لأبي أين كان يذهب أو سبب غيابه عن المنزل .

كنا أصدقاء وأخوة إلا أنه لم يبح لي بسره رغم سؤالي المتكرر له ربما لخوفه عليّ أو لصغر سني وحبه لي كان حريصاً عليّ دوماً لكن لا يستطع أبعاد الألم والوجع عني من زوجة أبي .

يوماً من الأيام غاب أخي عن البيت لأكثر من ثلاثة أيام وكان والدي ينتظر عودته وهو غاضب عليه ناقم متوعداً بأنه سيلقنه أقسى العقوبات حالما يعود 

وكانت زوجته تملي عليه ما يفعله بل وتشحنه على أخي ليصبح قلبه غليظاً عليه .

ساعة واحدة كفيلة جعلت أخي ممدداً على أرضية الغرفة غارقاً سابحاً بدمه حينها أدركت بأن الوحدة كفيلة أيضاً بجعلي أنساه كما نسيت أمي .

في ليلة باردة كتلك الليلة التي كنت شاهداً عليها وجدت رسالة مخفية في وسادته كاتب فيها :

أخي الصغير الحبيب 

واصل زيارة أمنا فهي عمياء لن تفرق بين صوتينا 

واصل رعايتها تحت التعذيب لأن قربها يستحق كل أنواع التعذيب فهي الوطن والبيت والآمان ولا تشعرها بأن أحدنا قد رحل ..


قيس هادي كريم الشريف

العراق

كتبتها بتصرف

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

يا عازف العود… .. الشاعر والمبدع علي جابر الكريطي

يا ساقي الورد لطفا بقلم الشاعر هشام كريديح

انتي وتيني // بقلم الشاعر عبد السلام حلوم