جميلة وشياطين الإنس // الحلقة السادسة بقلم الكاتبة سيادة العزومي

الحلقة السادسة/
                جميلة وشياطين الإنس
 لنضع بصمتنا معا على وجه هذه الحياة  
               سياده العزومي 
                  سقراطة

انطلقت جميلة........

 تحمل الرضيعة علي إحدى ذراعيها، 

والأخرى تمسك بها الصرة 

وما حوت من صيدلية،

 خزينة ملابس، طعام،

 تجر طفلتها الكبرى

 القابضة  على ثوبها خلفها،

انطلقت تشق عتمة الليل 

التي تدلت من السماء،

 ولامست الأرض، 

فأظلمت الحياة، 

هزيم الرياح العاتية الرطبة

 تلفحها على وجهها، 

تدفعها إلى الخلف، 

تعصف دون توقف

 بالأشجار العالية المتشابكة

 على جانبي الطريق،

 ومن خلفها المزارع، 

والبرك  والمستنقعات،

 والتلال  البعيدة،

 لا تسمع بين هزيم الرياح

 إلا نقيق الضفادع

 بصوتها العالي 

ونبرتها القوية المزعجة، 

وصراخ صرصور الليل

 بصوته الصاروخي،

 وصياح الطيور التي

 تعرضت لهجوم، 

ومن ورائهم نباح الكلاب، 

وعواء الذئاب،

 والأشباح تتراءى راقصة 

على هذه الأوركسترا 

في عتمة الليل 

وهي تعزف مقطوعات الخوف

 والرعب لكل سامعها ومتنفسها،

 لكن......جميلة لا تهاب

 طريق عتمة الليل ورفاقه

 فليس هناك أسوأ مما تفر

 منه.  
                
بدا لها بزوغ بصيص

 من نور على امتداد الطريق

 يظهر شيئا فشيئا، 

وبدأ يتضح مع صوت يقترب منها، 

 تأكدت أنها سيارة

 لكنها ترددت أن تستوقفها

؛ لعلمها علم اليقين أن هذا الطريق

 في هذا التوقيت لا يسلكه

  إلا الأشرار، 

وقفت مكانها في توجس

 دون أية إشارة منها

؛ لتنظر ماذا فاعل صاحبها،

 مرت السيارة كالبرق،

 كاد ضجيج الهواء 

المندفع خلفها بسرعة رهيبة

 أن يسقطها أرضا  وطفلتيها..

كأن سائق سيارة البرق 

على علم اليقين أيضأ، 

أن وجود امرأة بطفلتيها 

في هذا التوقيت من الليل

 العاتم ما هو إلا شرك ينصبه

 الأشرار

؛  للإيقاع بأية فريسة بلهاء

 تمر به..

 لكنه تعجب لعدم صدور 

أية إشارة منها 

هكذا حاوره فكره ....
                
لامت جميلة نفسها،

 وظهرت عليها ملامح الضيق

 الذي كسا وجهها

؛ لأنها لم تستوقف السيارة.. 

انطلقت مرة ثانية.. 

استوقفها صوت يأتي من الخلف،

 التفتت إليه،

 رأت نورا.. استدارت بوجهها 

وفكرها 

ووضعت الصرة أرضا 

ضامة ابنتها الصغرى إلى صدرها،

 والكبرى بين ساقيها، 

بدأ النور يظهر وكأنه الإشارات

 الخلفية لسيارة 

مع صوت يقترب منها، 

سكنت مكانها، 

نطق فكرها متمتمة لخاطرها 

- بالتأكيد سيارة البرق.

 ظلت السيارة تقترب منها،  

حتى أصبحت وسائقها وجهاً لوجه.

.  التقط سائق البرق سيجارته التي

 ظهرت كنجمة في الظلام

 بأصابعه بعد

 شهيق وزفير عميق، 

ماضغاً علكة، 

ناظرا إليها نظرة

 متفحصة بعين مرفوعة الحاجب،

 وفكر رأس دائري الحركة، 

وسؤال كساه رداء التعجب..

"مشيرا للطريق أمام وخلف بعينيه"

 قائلا :

- إلى أين أنت ذاهبة في هذا

 التوقيت على هذا الطريق..؟!

جميلة صامتة، 

 تستنشق الموقف بكل جوارحها،

 تضم الرضيعة إلى صدرها، 

تود أن تمزق ضلوعها

؛ لتخفيها في قلبها، 

والكبرى كادت أن تخفيها 

بين ساقيها، 

قلبها منفطر
              
 خائفة على فلذات أكبادها 

أكثر من نفسها،

 تحملق بعينيها منعقدة الحاجبين،

 تجاهد أن تقرأ ملامح

 الخير والشر في وجهه، 

رغم غياب ملامحه في عتمة الليل،

 ولا يظهر منها إلا القليل

 على ضوء عدادات السيارة

 الداخلية، 

تحملق في ثبات، 

وتكتم أنفاسها،

 فكلما مر الوقت

 تتضح لها ملامحه أكثر. 

كرر السؤال عليها مرة ثانية :

- إلى أين أنت ذاهبة في هذا

 التوقيت على هذا الطريق..؟!

مازلت أكتب لكم 
دمتم بخير أحبتي 
      القاصة والمفكرة /
                  سياده العزومي 
                      سقراطة الشرق 
عضو اتحاد الكتاب بمصر 

اشكر الفنان الشاعر :سمير كهيه آوغلو

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

يا عازف العود… .. الشاعر والمبدع علي جابر الكريطي

يا ساقي الورد لطفا بقلم الشاعر هشام كريديح

انتي وتيني // بقلم الشاعر عبد السلام حلوم