قصيدة الربيع //بقلم الشاعر طارق المحارب

طارق المحارب ..13/2/2019
قصيدة : الربيع ..


بايعْ مليكَ الثَّرى إذْ باتَ يزدانُ
  والعشبُ مجلسُهُ والوردُ تيجانُ 

هلْ أجهضوا في رحابِ الأرضِ  جوهرةً
   أمْ ازهقوا روحَها أمْ سالَ مرجانُ ؟!!

آياتُ ربٍّ على البطحاءِ شاهدةٌ
   لولا العقولُ لجُنَّ الإنسُ والجانُ

السُّندسُ الأخضرُ المَوشومُ ظهرُ يدٍ
في كلِّ ناحيةٍ للعينِ فتَّانُ !! 

باتتْ على مِعصمٍ كفٌّ مُطرَّزةٌ
جِذعٌ وغصنٌ وأزرارٌ وقمصانُ

هذي ورودٌ وتلكَ الأختُ سنبلةٌ
   وذاكَ نبعٌ سرى والفجرُ وسْنانُ

حسناءُ كانتْ قُبَيلَ الغيثِ شاحبةً
   صفراءَ من عُريِها تصطكُّ أفنانُ

شقَّتْ جُيوباً لها بالأمسِ ناحبةً
    والقلبُ فيهِ انكساراتٌ وأحزانُ

عاثَ الخريفُ بهِ يَبْساً على سَقَمٍ
    كأنَّما لمْ يكنْ في الدَّوحِ سُكَّانُ

فرعاءَ عادتْ وإذْ بالدَّمعِ يغسلُها
   والغُسلُ تحتَ خيوطِ المُزنِ تَحنانُ

ورَونَقٌ آخرٌ لاحتْ بشائرُهُ
   فأعينٌ أُدفِئتْ فيها وآذانُ

أمَّا الغيومُ اختلافُ الرِّيحِ بدَّدَها
     كأنَّها في سماءِ الكونِ عِقبانُ

والشَّمسُ تسلبُها في الظُّهرِ صبوتَها
    قسراً فما في سفِينِ الغيمِ شُبَّانُ

تُدلي دَلاً ذُهِّبتْ للأرضِ ترُسلُها
   شقراءَ مُرخىً لها في الجوِّ أشطانُ

فوحَّدَ النَّاسَ نَيروزٌ بهِ اجتمعتْ
   عجمٌ وعُرْبٌ وأكرادٌ ورومانُ !!

خطَّ النَّدى فوقَ ساقِ الزَّهرِ سيرتَهُ 
   حِبراً يُسطِّرُهُ في الصُّبحِ فنَّانُ

مِثلَ الدُّموعِ منَ الأحداقِ سوَّدَها
    كُحلٌ فأُجلِسَ في الوَجناتِ عُبْدانُ

والوردُ عينٌ عنِ الأنظارِ يُطبقُها
    كما لكلِّ امرىءٍ عينٌ واجفانُ

والجُلَّنارُ فمٌ لوْ جرَّحوا شفةً
    لهُ لفرَّ منَ الشِّدقينِ رُمَّانُ !!

والأُقحوانُ كقرصِ الشَّمسِ طلعتُهُ
حاطتْ بهِ كي تقيهِ البردَ اسنانُ

منْ اجملِ الدُّرِّ في تصفيفِها عِبَرٌ
          تاجٌ  تبدَّى  وما للتَّاجِ  رُبَّانُ

تلكَ الشَّقائقُ لو حاورتَها نطقتْ
    بالشِّعرِ والشِّعرُ تاريخٌ وديوانُ

قالتْ : أنا منْ حسانِ الشَّرقِ أوردتي
   لَخْمِيَّةٌ مُهجتي والجَدُّ قحطانُ

وحيرةُ الشَّرقِ مهدي منذُ أزمنةٍ
    يومَ احتفى بي معَ الأضيافِ نُعمانُ

شقارُ قلبي ملوكٌ في حدائقِهمْ
    وأحمري سادةٌ صيدٌ  و أعيانُ

في كلِّ صَفوٍ أنا لَهْوٌ يُجالسُهُمْ
    وفي المعاركِ أجنادٌ وفرسانُ

مابينَ غَوْرٍ وغَوْرٍ هَضْبةٌ نهضتْ
    للوصلِ بينَهما فالقاعُ ميزانُ

منَ الزَّرابيِّ أنواعٌ مُنوَّعةٌ
    وفي الرَّوابي رُسوماتٌ وإتقانُ

كأسٌ هنا منْ جنانِ الخُلدِ خمرتُها
    قدْ عُتِّقتْ وهنا صحنٌ وفنجانُ

والنَّحلُ يغزو خيامَ الوردِ يسلبُها
    كأنَّما جندُهُ عبْسٌ و ذُبيانُ !!

أو تغلبٌ باغتتْ في الفجرِ مُبْكرةً
     بَكراً وقدْ أغرقتْ في النَّومِ شَيْبانُ

دقُّوا عطوراً فما فاقتْ بأثمنِها
    عطرَ الرَّبيعِ الذي أغلتْهُ أثمانُ

والنَّبعُ طافتْ بهِ الأغنامُ مُحرِمةً
     كما يطوفُ ببيتِ اللهِ إنسانُ

في كلِّ حدْبٍ بيوتٌ حولَها تُلِيتْ
    آياتُ ذكرٍ ووجهُ المرْجِ قرآنُ

مآذنٌ فوقَ تلِّ الحيِّ شاكرةٌ
    منْ خُضرِ اشجارِهِ والشُّكرُ عِرْفانُ

مَنْ ذا الذي صيَّرَ الأفنانَ مُورقةً
   والطَّلُّ رشرشَها فالخدُّ ريَّانُ ؟ !!

والنَّخلُ أمَّ صلاةً بعدَ خطبتِهِ
    وعَذْقُهُ من رَضاعِ الأمسِ ملآنُ

وحولهُ ركعتْ للتَّوِّ عابدةً
    في كلِّ صفًّ فراشاتٌ وقطعانُ

والماءُ قدْ فاضَ حولَ الأيكِ يُشرِبُهُ 
مذْ اطلقَ الماءَ في الوُديانِ سجَّانُ

جاءَ الغديرُ إلى البستانِ يحضنُهُ
      كأنَّهُ من فراقِ  الأمسِ ولهانُ  !!

حتَّى سألتُ فقالوا : الماءُ في ظمأٍ 
مادامَ لمْ يلقَهُ في الدَّربِ غِيطانُ

تجري الجداولُ حولَ النَّبتِ تأسرُهُ
مثلَ الأساورِ فيها الغِيدُ تزدانُ

كلُّ الحدائقِ منْ كنزٍ نمتْ ترفاً
   والماءُ لولا ارتواءُ الزَّرعِ حَيْرانُ

تحتَ الثَّرى مسَّ قَطْرٌ حبَّةً شَغفاً
     فالقَطْرُ والحبَّةُ العَجْفاءُ عِرسانُ

حتَّى تفتَّقَ سطحُ الأرضِ فانبعثتْ
بناتُ حُسنٍ وأصهارٌ و وِلدانُ

سارتْ بنا أعينٌ تلهو بعرسِهمُ
    يقتادُنا للشَّذى نَوْرٌ ورَيحانُ

آذارُ مُحتفِلٌ والطَّرفُ مُنشغِلٌ
والأفْقَ فوقَ رؤوسِ الخلقِ فتَّانُ

والطَّيرُ مِل ءُ الفضاءِ الرَّحْبِ في دَعةٍ
واللهوُ حولَ الصُّخورِ الشُّهبِ ألوانُ

يا لَلجمالِ الذي امسى فأدهشَها
   هذي مُغرِّدةٌ والزَّوجُ سكرانُ  !!

عاجا على الكرْمِ حتَّى أُثمِلا عِنباً
    واللحظُ بعدَ مجونِ الليلِ نعسانُ

هزَّ النَّسيمُ غصونَ الدَّوحِ فارتجلتْ
واستُؤنِفتْ فوقها للوُرْقِ ألحانُ

ورافقَ اللحنَ نفحُ الطِّيبِ يحملُهٌ
    ويرتقي بنشيدِ الكونِ وجدانُ

يبدو الحمامُ إذا الأعناقُ طوَّقها
    لونُ السَّوادِ لهُ  لحىً و اذقانُ

مِنْ أبيضِ الوجهِ والمُزرقِّ في جسدٍ
    اوطرَّزتْهُ بكلِّ الوشْيِ ألوانُ

عادَ الرَّبيعُ فرقَّ الطَّبعُ منْ فرحٍ
    والنَّظْمُ تصحو على شطريهِ أوزانُ

والحُبُّ صافحهُ والعشقُ قبَّلهُ
    وغازلَ الغِيدَ في الأرجاءِ فِتيانُ

في كلِّ يومٍ مع الأسحارِ اغنيةٌ
   وعزفُ عودٍ معَ السُّمَّارِ قَطَّانُ

والنَّفسُ منْ هذهِ الأفراحِ مُشرِقةٌ
    تفتَّحتْ روحُها واخضلَّ شريانُ

ألقت همومَ الورى خلفاً وعانقَها
    بِشْرُ الحياةِ وأبلى الحزْنَ نِسيانُ

إنْ كنتَ تُؤمنُ بالخلَّاقِ بارئنا
فالبَوحُ في هذهِ الأيَّامِ إيمانُ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

يا عازف العود… .. الشاعر والمبدع علي جابر الكريطي

يا ساقي الورد لطفا بقلم الشاعر هشام كريديح

انتي وتيني // بقلم الشاعر عبد السلام حلوم