ماذا جنيت الشاعر رزاق الحسيني


محاورة بيني وبينَ أمِّ أولادي التي دأبتْ طويلا على لومي على تعاطي الشعر والادمان عليه بعد أن رأتْ لا جدوى من ورائهِ ولم أجنِ منهُ غير تعب القلب وكد الخاطر وأيامي بهِ تضيع هدراً  وهي محقّةٌ في تساؤلاتها الحزينة والوجيهة وهي تراني خالي الوفاض

ماذا جنيتَ بنظمكَ الشعرا ؟

بَكَرتْ تلومُكَ لم تُطِقْ صبرا
 ماذَا جنيتَ بنظمكَ الشعرا ؟

ماذا جنيتَ بهِ سوى نَكَدٍ
 فكأنّهُ لكَ محنةٌ كُبرى !!!

عجباً لقلبكَ يشتهي تعَبَاً
 أوما كفاهُ همومَهُ كُثرا

وهواجسٍ شتّى مؤرّقةٍ
 تأتيكَ في غلسِ الدُّجى تترى

فتبيتَ سهراناً على قلقٍ
 وكأنَّ فوقَ فراشكَ الجمرا

قُلْ لي لمنْ تشدو بهِ زمناً
 أوَما ترى الجمهورَ لا يقرا

تشدو بشعرٍ ساحرٍ غَرِداً 
 ألحانهُ تستنزلُ الطيرا

ما باتَ يهوى الناسُ في وطني   
 العلمَ والآدابَ والشعرا

شرُّ المصائبِ فوقهم نزلتْ
 من هولها ألبابهم سكرى

وجراحُهم نجلاءُ نازفةٌ
 لمّا تزلْ من غيظها نغرا

وقلوبهم كلمى تنزُّ دماً
 وعيونهم فاضتْ أسىً عبرى

لحكومةِ السُّراقِ في وطني
 جهراً تُحابي اللصَّ والغرّا

وتُذلُّ عمداً كلَّ نابغةٍ
 وتميتُ فيهِ مواهباً غَرّا

للشانيئنَ المفلسينَ أبوا
 أنْ ينصفوكَ وليسَ أنْ تُطرى

هل ترتجي الإنصافَ مِنْ زُمرٍ
 تأبى الرصينَ وترتضي الهذْرا ؟

فالنقدُ مشبوهٌ وذو رِيَبٍ
 ما زالَ يرغبُ عنكَ مزورّا

لا تبتئسْ إمّا بهِ زهدوا
 فلقدْ ملأتَ صدورَهم وغرا

عضّوا أناملَهم عليكَ قِلىً
 لمّا رأوكَ أجلّهمْ قَدْرا !!!

***      ***

وبهِ أتكسونا وتُطعمُنا
 أمْ أنْ نجوعَ بهِ وأنْ نعرى ؟

عبثاً تحاولُ أنْ تحوزَ بهِ
 نفعاً لنا أو تدفعَ الضرّا

ولّى زمانُ الشعرِ مصطحباً
 معهُ الفحولَ وقادةً غُرّا

وبهِ أتبقى العمرَ منشغلاً 
 خالي الوفاضِ مِنَ الغنى صفرا ؟

متلهّفاً تبكي على وطنٍ
 للآنِ لم تملكْ بهِ شبرا !!!

تبكي عليهِ بأدمعٍ سُجُمٍ
 فتُحيلُ حلوَ حياتنا مُرّا

تشكو سنيناً شائقاً كئباً
 هذا الفراقَ المرَّ والهجرا

أتظلُّ تشدو دونما كللٍ
 لجبالهِ وسهولهِ الخضرا ؟

لنخيلهِ المصطفِّ في شممٍ
 كالغيدِ تحضنُ حولها النهرا

وتبيتَ مشتاقاً بلا أملٍ
 وتفيقُ محزوناً على الذكرى

تقتاتُ كالطاوي على حلمٍ
 وتظلُّ فيهِ الدهرَ مُجترّا

هلّا تفيقُ اليومَ من وَهَمٍ
 ضيّعتَ في أوهامكَ العمرا

حسبُ المنافي أصبحتْ وطناً
 فيها أمانينا غدتْ قفرا

وأراكَ مشدوداً إليهِ هوىً
 أترومُ نشكو البؤسَ والفقرا

أنعيشُ في كوخٍ لنا خَرِبٍ
 ويحوزُ فيهِ سارقٌ قصرا ؟

ولكم لهُ أنشدتَ مُفتخراً
 لا فضلَ ترجو منهُ أو شكرا !!!

تشدو لَهُ لهفانَ مُحترقاً
 ويديرُ عنكَ كراغبٍ ظهرا

فالى متى تلقى بهِ عنتاً
 وسواكَ بالتهريجِ قد أثرى

والى متى تلقى بهِ غَبناً 
 وتعافُ نفسُكَ تشتكي جَهْرا ؟

ما قيمةُ الأوطانِ دائبةً
 تأبى تَكُونُ لشعبها سترا

ما قيمةُ الأوطانِ ديدنَها
 تهوى الطغاةَ وتجتوي البَرّا

بالأمسِ ذُقْنا بطشَ قسوتها
 وقلوبُنا امتلأتْ بها ذُعرا

ضاقتْ بكَ الدنيا وقد رحُبَتْ
 ففررتَ منها  خيفةً قسْرا

وخرجْتَ لا تلوي على أحدٍ
 وقدِ اتّخذْتَ بها الدُّجى مُهْرا

تبغي بُدنيا الله مُلْتَجَأً
 حتى ركبتَ البرَّ  والبحرا

وقضيتَ خيرَ العمرِ في سفرٍ
 وذرعتَ كلَّ الأَرْضِ مُضطّرا

لنحطَّ فيهِا الرحلَ من رهقٍ
 ونقيمَ في أمنٍ  بها دهرا

حتى وإن طابتْ إقامتُها
 فبها نحسُّ كأنّنا أسرى

أوطاننا تبقى وَإِنْ ظلمتْ
 حبّاً لها أرواحنا تُشرى(1)

***      ***     ***

امدحْ سياسييّنَ في بلدي
 قد أشبعوهُ بنهبِهمْ فقرا

انفخْ بأخشابٍ مسنّدةٍ
 واكتبْ لهم أضعافَهُ نثرا

انفخْ كروشاً بالخنا كَبُرَتْ
 وتمايلتْ في زهوها كِبرا

انفخْ بمنْ ماتتْ ضمائرُهُمْ
 ونفوسهم جرداءُ كالصحرا

وقلوبهم ظلماءُ قاسيةٌ
  قد ضاهتِ الجلمودَ والصخرا

طبّلْ لهم واهزجْ كما هزجوا
 زمّرْ وَإِنْ لم تُتقنِ الزمرا

فعسى تَنالَ اليومَ حظوتهم
 فالناعقونَ جنوا بهِ وفرا

أو قد يقومُ الحظُّ من عَثَرٍ
 أو تكشفُ الألغاز َ والسرّا

***      ***       ***

فالقردُ منهم سمِّهِ رشأً (2)
 والفأرُ منهم سَمِّهِ هِرّا !!!

وكذاكَ سمِّ جبانَهم بطلاً
 والهرُّ صفْهُ صلافةً نمرا !!!

اهزءْ بهم واسخرْ كما سخروا
 طولَ السنينَ بشعبنا طُرّاً

عرّي مخازيهم وما اجترحوا
 واملأْ مدائننا لهم نشرا

انشرْ فضائحهم فقد زكمتْ
 كلَّ الأُنوفِ ، لقد بدتْ كُثرا

وفسادهم عمَّ البلادَ معاً
 بقلوبنا قد أثمرَ الوِترا

مجّدْ بعاهرةٍ بلا خجلٍ
 كم تدّعي الإيمانَ والطُّهْرا !!!

انفخْ بمنْ خانوا ومنْ سرقوا
 كلَّ العراقِ وخيرَهُ الثرّا

اللابسينَ الدينَ أقنعةً
 كي يستروا التدليسَ والمكرا

انفخْ بمَنْ قد ضيّعوهُ سدىً
 البائعينَ ترابَهُ التِّبْرا

واربْ ونافقْ فالنفاقُ غدا
 للطامعينَ بموطني جسرا

واهزجْ كما هزجوا لهم فعسى
 أنْ تجلبَ الأضواءَ واليُسرا

لا تكترثْ أبداً لمُعترضٍ
 لو كانَ مدحُكَ كلُّهُ كُفْرا

ودعِ الشموخَ وعزّةً سمقتْ
 بينَ النجومِ قدِ ابْتَنَتْ وكرا

أتظلُّ طولَ العمرِ مُرتقباً
 خللَ الدُّجى الأنوارَ والفجرا

ولكم حلبتَ الدهرَ مرتجياً
 وعليكَ ضنَّ الدهرُ ما درّا

لكنّما نفسي بها أنفٌ
 تُطري الطغاةَ وترفعُ الغِرّا

يا أمَّ أولادي كفى عذلاً
 صبراً جميلاً واسمعي الخُبْرا

أدري بأنّكِ قد تعبتِ معي
 ولقيتِ مِنْهُ الضيقَ والعُسرا

كفّي ملامكِ لستُ مُكترثاً
 بالشهرةِ النكراءِ أو مُغرى

رغمَ التعامي والجفا أدبي
 يبقى مُنيراً في الدُّجى بدرا

ويظلُّ رغم الزاهدينَ به
 روضاً يفوحُ على المدى عطرا

ما الشعرُ الا لوعةٌ خَفِيَتْ
 بينَ الضلوعِ وآهةٌ حرّى

جاشتْ بصدري فانبرتْ حمماً
 منها لساني ينفثُ الجمرا

وعواطفٌ شتّى روافدها
 فاضتْ معَ الأشواقِ كي تُقْرَا

ترنيمةُ العشاقِ في طَربٍ 
 لولاه ما ذاعَ الهوى سِرّا

فالشعرُ ميداني ونافذتي
 منها أُطلُّ بصرختي حُرّا

أشكو به خيباتِنا أملاً
 عقبى التجشّمِ نحمدُ المسرى

هو صرخةُ الأعماق من وجعٍ
 هو نايُ مغبونٍ بكى قَسْرا

هو عينُ مشتاقٍ همتْ لهباً
 وفؤادهُ في البعدِ ما قرّا

هو صوتُ مقهورٍ ومُهتضَمٍ 
 لمّا يجدْ سَنَداً ولا أَزْرا

هو حكمةٌ تبقى مُردّدةً
 ونشيدُ حرٍّ قد سما فكرا

وهزيمُ كلِّ مكافحٍ بطلٍ
 رفضَ الهزيمةَ واجتبى النصرا

في وجهِ مظلومٍ وطاغيةٍ
 أو مُشتكٍ في سمعهِ الوَقْرا

وبهِ أزيحُ الهمَّ عن قفصٍ
 فقد استحالَ بهِ الأسى ثغرا

وبهِ الجراحُ النجلُ ناطقةٌ 
 تفشي بما أخفاهُ أو سَرّا

ويكونُ إِنْ جاشَ الهوى وَتَراً
 أنغامُهُ تستمطرُ السِّحْرا

يشدو لحوناً تزدهي نغماً
 تنسابُ في سمعِ الدُّنى خمرا

وأمدُّ أجنحةَ الخيالِ بهِ
 لأجوبَ في أفقِ السما نسْرا

ما الشعرُ إلا محضُ شقشقةٍ
 للرافضينَ البغيَ والجورا

والراغبينَ العيشَ مزدهراً
 والغارسين الحُبَّ والزهرا

هو عالمي أرقى بهِ صُعُداً 
 وأجوبُ فِيهِ عوالماً أخرى

وأبثُّ حرّ الشوقِ في كبدي
 وأعاتبُ الأيامَ والدهرا

وأذودُ فيهِ عن حمى وطني
 مّمنْ لَهُ قد أضمرَ الشرّا

أمضى سلاحٍ في يدي قلمي
 كالسيفِ في الأوراق إِنْ جُرّا

وبهِ أكونُ منافحاً لَسِناً
 أشدو بقومي شامخاً فخرا

هو صرختي فيهم إذا رقدوا
 وتحملّوا الإذلالَ والقهرا

لولاهُ ما أفشيتُ عن وجعي
 فعسى جراح القلبِ أنْ تَبْرَا

لا تعذليني إنّهُ قَدَرِي
 أجدُ الحياةَ بموطني قبرا

لا شيء فيهِ اليومَ يفرحني
 ومتى أراحَ القلبَ أو سَرّا ؟!!!

والدهرُ لم يفتأْ يحاربني
 ولقيتُ منهُ الكيدَ والغدرا

يسعى ورائي دونما كللٍ
 أو هدنةٍ كي يدركَ الثأْرا

تجري العواصفُ خلفَ صاريتي
 قد أدمنتْ لشراعها كسرا

لاتحسبيني أنّني نَقِمٌ
 خالَ الحياةَ جريمةً نكرا

لكنني أشكو بها جنفاً
 فعطاؤها قد كان لي نَزْرا

بالشعرِ أوجاعي سمتْ رتباً
 لاتعذليني واسمعي العذرا

هذا زمانُ الجهلِ وا أسفاً
 بالشاعرِ الموهوبِ قد أزرى !!!

(١) تُشرى تُباع وهو من الأضداد
 (٢) رشأ ولد الظبية والغزال

كتبت في 30 / 3/ 2018

رزاق عزيز مسلم الحسيني

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

يا عازف العود… .. الشاعر والمبدع علي جابر الكريطي

يا ساقي الورد لطفا بقلم الشاعر هشام كريديح

انتي وتيني // بقلم الشاعر عبد السلام حلوم