لازلت أحمل عينيك بقلم الشاعر المتألق طاهر الذوادي


 لازلت أحمل عينيك

كطفل لغته مازالت تحبو

يتهجّد حروفك كقارئ سيء

ملزما بلمس كل حرف 

تمرّ عليه يداه الصغيرتين

ليتسنى له نطقه بشكل الحنين

على الوجه الذي يرضي غربة الليل

فضاقت محبرتك باشتعال حرفك

و تطاولت كأسك على الريح

و قادت سجائرك الفردوس

إلى صدري

ثمل الليل و تاه فمك في ابتلاع الريق

و غاص ... غاص حلمي في حلمك

و شمّر عن وهجه البريق

و لازلت عابر طريق

عابرا سَقطَ اسمه مرارا

و حينَ عادَ ليَلتقطَهُ

رأى شَخصاً آخرَ يَرتديه

عاشقا وحيدا

على مقعد في حديقة  نسي ظلّه

مُتعباً بما يكفي

تركَ صمته يُحاول الهرب

و هسهسة الانتظار

و لازالت المطر تدقّ

غيمة اثر غيمة

قبّة الريح

و ليالي الاعصار

و لازلت أحمل عينيك

شهادة من مرّوا 

قلادة من عشقوا

و هاموا بين الموج و المحار

عانقيني أو اكسري جرّة القول

فلازال في العمر

بعض مني يتغاوى في رنّة خلخال

و بعض بعضي لم يقال

و لازال في النّدى يرقد

جنون و خيال

مغلول ... مغلول في رجفتي

و تتعالى في ليلي شمس الصباح

السنابل ...

السنابل حواري يشرن إلى مشيتك

و العصافير ترفرف

في حرير أنفاسك

الأبواب مناقير حمام زاجل

مناقير تتصادم بحواسنا

و الساعة عاطلة

و القلب ينبض بالمواعيد الفالتة

و لازلت أحمل عينيك

غواية تنسكب 

تنسكب شيئا فشيئا 

في محاضن الفردوس

و الصمت صوت الشناشين

المهتاجة في صلواتها

أيها المدى المكتض

بالشفاه و العيون

أيها القلب الناهض

في نص أضاع حبره

و لبس المعنى

أيتها المعاقل و المقابض

المتدافعة بالصور

و الألوان اللوزية

و النخيل أسير الجداول الخجولة

جائع أنا  يا طير البطولات

لارتداء الفاكهة المسيجة

و الظفائر الممتدّة كغمزة الليل الطويل

ضمئان أنا يا طير

في طريق عذّبته الاشارات

و العواصف اللامعة بالظنون

ضمئان و الندى يتقاطر

فوق أصابع الشجر العتيق

و لا متكأ لتناهيد الرّوح

خيّل إليّ 

أنّي طويت سجلاّتِ 

عمر مال

عن صراطه ...

و ما طويتها 

زيّن إليّ أنّي أنذر صوتي للرّيح

و قد ناحت 

فلا صوتي تقدّست جلجلته

ولا حناجر الرّيح أدركت مبتغاها 

حسبتك أوتيتِ 

مخازن  الدّهر 

تويجات زهر الرّوح 

وبعض الظنّ إثم و إفك 

كم من طريق هزّ رأسه لحزني 

العظيم 

 كم ...

كم من ورق شهد على وحشتي 

 كم...

و لم أزل أردّ على المواساة بأحسنَ منها

و لازلت أحمل عينيك

قصيدا شرّبته رحيق ورد في حدائق قلب 

لم يغرّر بها الزّمن  

و ما ظننتني أصاب منهما

فأقتل ... 

و ما كنت أنوي عن قلبك حِولا

و فاتحةّ الهوى فرائضي ونوافلي

احصّن بها آهاتي المؤجّلة 

موجع حين تّسحَل روحك جهرا 

ويجلدُ فؤادك عبثا 

طال اللّيل أو قصُر 

مؤلم حين تخونك أنفاسُك 

و تباغتك الخناجرُ

ألا فاشهدوا أنّي لا أملك غير حرف

أتنفّسُه ...

أتدثّر دفأه...

و عينين قمريين في المدى

كلّما ألقى بي السّهد في العراء

يتزاحم رهط من الأسئلة على مدخل 

قلب محبط 

تبسط العتمةُ رداءَها  

و لا تبالي بما يعرج في الأمداء 


يا جسدا أنهكه العطش

لا تقنَط من غيمة أمل ماطرة 

و الهث خلف حقائق لم تفقِد عذريّة

اليقين بعدٌ 

أتوقّف عند  سدرة الشّروق

و قد جئت متعجّلا

أسأل حرفي المجنّح عروجا إلى محاريب وجد 

هجرها عشّاق من ورق

وسفر أرهقني 

و وجع اشتدّ فتمدّد 

و سهم إلى نحر سُدّد 

و نور تناسل بين أضلعي

و قول شغوف شفّ فملأني صدقا 

و بوح خالص ، خاشع قرع أجراس

الدّهشة 

أقام صلاة التّمنّي 

صلّى ، صلّى ، صلّى ....

حتّى انقطعت أنفاسه

فيا - قريب 

لا تستبح حرمة أحلام 

لم تدنّس بعد براءتها

و لا تنزل الحمل عنّا مهما تنادت الاغاثة

فمازلت أتلو شمعا يعجّ بالحياة 

فاملئي أرجائي نورا  أيّتها الرّوح 

التي كلّما ازدادت شوقا ، احترقت ... 

و ارقص أيّها الفؤاد بجوانح الذّكر 

كي أعودَ صحوا ...

و أعودَ مطرا ...

و أعود بمداد ينبع من شغاف البلاغة

و ما همّني لو هِمت وجعا ...

و إن ذبت وجدا

حتى و إن أناخت قافلة  ركبها

في باحة صدري

 ستظل عينيك نقشا

و ايماءا يملأ وصلي

حتى و إن شاب ظل البحر

و سرت روح دون جسد

حتى و إن تحوّل اليقين إلى فراغ

فراغ تشهق فيه النوافذ

و تضحك امرأة في جنازتها

و يلملم رجل في نظرته كل صباح

شظايا المرايا المكسورة

و يستزيد من التناهيد

حتى و إن غفى عمر الزهر

ستظل جدران غربتنا 

تحمل الرحيق 

و الفراش المجنون 

يرفرف في كل طريق

و سيصعد من منتصف ليل اللغة 

لنا صوت

يقول ... و يقول ...و يقول ...

و لا نجرأ على معاندة

لغة العيون

و نسقط في صمت أنفسنا

كحمّى تحفر في عروقنا 

أزقة الذاكرة

كهزّة 

تملأ المكان

و تبعثرنا في كل مكان

نكتب على الرخام جملة جديدة

جملة تنهار تحت وطاة المعاني الثقيلة

و لازلت أحمل عينيك

كغبار نجمة فقدت مدارها

أفردها ارتجاج عظيم


   - طاهر -

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

يا عازف العود… .. الشاعر والمبدع علي جابر الكريطي

الشاعر عبد الله اسماعيل///يا نشوة الروح يا روحي وريحاني

يا ساقي الورد لطفا بقلم الشاعر هشام كريديح